فصل: (سورة الحاقة: الآيات 9- 18)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- في قوله {الحاقة ما الحاقة} فنان رفيعان أولهما الإسناد المجازي للزمان على حد ليل قائم فالمراد بها الزمان الذي يحق أن يتحقق فيه ما أنكر في الدنيا من البعث فيصير فيها محسوسا مشاهدا بالعيان، وقيل سمّيت حاقة لأنها تكون من غير شك وقيل سمّيت بذلك لأن كل إنسان يصير فيها حقيقا بجزاء عمله فلا يكون في الكلام مجاز على هذين الوجهين، وقال الأزهري: يقال حاققته فحققته أحقه أي غالبته فغلبته فالقيامة تحقّ كل محاق في دين اللّه بالباطل أي كل مخاصم. وفي الصحاح: وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق فإذا غلبه قيل حقه والتحاق التخاصم والاحتقاق الاختصام والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات. وفي الاستفهام تعظيم لشأن الحاقة وتهويل لأمرها وهناك فن ثالث وهو وضع الظاهر موضع المضمر فلم يقل ما هي والفائدة منه زيادة التهويل والتفخيم لشأنها.
2- وفي قوله {حسوما} مجاز مرسل من استعمال المقيد وهو الحسم الذي هو تتابع الكي لمطلق التتابع وقيل هو استعارة تصريحية تبعية فقد شبّه تتابع الريح المستأصلة بتتابع الكي القاطع للداء.
3- وفي قوله {كأنهم أعجاز نخل خاوية} تشبيه مرسل، فقد شبّههم بالجذوع لطول قاماتهم وكانت الريح تقطع رءوسهم كما تقطع رءوس النخل المتطاولة خلال تلك الأيام الثمانية أو الليالي السبع قيل هي أيام العجوز وذلك أن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها وقيل هي أيام العجز وهي آخر الشتاء وأسماؤها: الصّن والضبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفئ الجمر ومكفئ الظعن.

.[سورة الحاقة: الآيات 9- 18]

{وجاء فِرْعوْنُ ومنْ قبْلهُ والْمُؤْتفِكاتُ بِالْخاطِئةِ (9) فعصوْا رسُول ربِّهِمْ فأخذهُمْ أخْذة رابِية (10) إِنّا لمّا طغى الْماءُ حملْناكُمْ فِي الْجارِيةِ (11) لِنجْعلها لكُمْ تذْكِرة وتعِيها أُذُنٌ واعِيةٌ (12) فإِذا نُفِخ فِي الصُّورِ نفْخةٌ واحِدةٌ (13) وحُمِلتِ الْأرْضُ والْجِبالُ فدُكّتا دكّة واحِدة (14) فيوْمئِذٍ وقعتِ الْواقِعةُ (15) وانْشقّتِ السّماءُ فهِي يوْمئِذٍ واهِيةٌ (16) والْملكُ على أرْجائِها ويحْمِلُ عرْش ربِّك فوْقهُمْ يوْمئِذٍ ثمانِيةٌ (17) يوْمئِذٍ تُعْرضُون لا تخْفى مِنْكُمْ خافِيةٌ (18)}

.اللغة:

{والْمُؤْتفِكاتُ} هي قرى قوم لوط وقد تقدم الحديث عنها.
{بِالْخاطِئةِ} أي بالفعلة أو الفعلات الخاطئة أو بالخطأ فيكون مصدرا جاء على فاعلة كالعاقبة أو أنها صيغة نسب كتامر وباقل، قال في الخلاصة:
ومع فاعل وفعال فعل في ** نسب أغنى عن اليا فقل

{رابِية} زائدة في شدّتها على غيرها يقال ربا الشيء يربو إذا زاد.
{واعِيةٌ} حافظة لما تسمع.
{فدُكّتا} الدك فيه تفرق الأجزاء والدق فيه اختلاط الأجزاء.
{أرْجائِها} جوانبها جمع رجا ويكتب بالألف لأنه من ذوات الواو لقولهم في التثنية رجوان ومن غريب أمر هذه اللفظة أنها تعذب في الجمع وتسمج في المفرد ولعلك لا تجدها في كلام شاعر فصيح ولم تستعمل إلا مجموعة لأن الجمع يلبسها ثوبا من الحسن لم يكن لها في حال كونها موحدة وقد تستعمل موحدة بشرط الإضافة وهي بهذا تخالف الأرض فإنها تعذب مفردة وتجمع مجموعة ولهذا لم ترد في القرآن الكريم إلا مفردة فإذا ذكرت السماء مجموعة جيء بها مفردة معها في كل موضع من القرآن ولما أريد أن يؤتى بها مجموعة قيل: {ومن الأرض مثلهنّ} في قوله تعالى: {اللّه الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهنّ} وهذا مردّه إلى الذوق السليم لأنه الحاكم في الفرق بين الألفاظ.

.الإعراب:

{وجاء فِرْعوْنُ ومنْ قبْلهُ والْمُؤْتفِكاتُ بِالْخاطِئةِ} كلام مستأنف أو معطوف على سابقه، و{جاء فرعون} فعل ماض وفاعله {ومن} عطف على {فرعون} و{قبله} ظرف زمان متعلق بمحذوف لا محل له لأنه صلة {من} وقرئ {قبله} بكسر القاف وفتح الباء أي ومن هو في جهته {والمؤتفكات} عطف أيضا و{بالخاطئة} متعلقان بـ: {جاء}.
{فعصوْا رسُول ربِّهِمْ فأخذهُمْ أخْذة رابِية} الفاء حرف عطف وعصوا فعل ماض وفاعل و{رسول ربهم} مفعول به، {فأخذهم} عطف على {فعصوا} و{أخذة} مفعول مطلق و{رابية} نعت وفتح همزة {أخذة} لأنها مصدر مرة وليست مصدر هيئة وإنما معنى الهيئة مستفاد من النعت.
{إِنّا لمّا طغى الْماءُ حملْناكُمْ فِي الْجارِيةِ} إن واسمها و{لما} ظرفية حينية أو رابطة و{طغى الماء} فعل وفاعل وجملة {حملناكم} خبر {إنّا} والمراد آباؤكم و{في الجارية} متعلقان بـ: {حملناكم}.
{لِنجْعلها لكُمْ تذْكِرة وتعِيها أُذُنٌ واعِيةٌ} اللام للتعليل ونجعلها فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بـ: {حملناكم} والهاء مفعول أول ل: {لنجعلها} ولكن حال و{تذكرة} مفعول به ثان {وتعيها} منصوب بالعطف على نجعل و{لكم} حال و{تذكرة} مفعول به ثان {وتعيها} منصوب بالعطف على نجعل و{أذن} فاعل و{واعية} نعت لأذن والضمير في {لنجعلها} عائد للفعلة وهي نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين.
{فإِذا نُفِخ فِي الصُّورِ نفْخةٌ واحِدةٌ} الفاء استئنافية والكلام مستأنف مسوق للشروع في ذكر تفاصيل أحوال القيامة وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة {نفخ} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{نفحة} نائب الفاعل وهو مصدر متصرف لكونه مرفوعا ومختص لكونه موصوفا بواحدة، وسيأتي مزيد بيان لهذا البحث، و{واحدة} نعت.
{وحُمِلتِ الْأرْضُ والْجِبالُ فدُكّتا دكّة واحِدة} {وحملت} فعل ماض مبني للمجهول معطوف على {نفخ} و{الأرض} نائب فاعل {والجبال} عطف على {الأرض}، {فدكّتا} عطف أيضا ودك فعل ماض مبني للمجهول والتاء تاء التأنيث الساكنة والألف نائب فاعل و{دكة} مفعول مطلق و{واحدة} نعت ولم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة والأرض كالجملة الواحدة.
{فيوْمئِذٍ وقعتِ الْواقِعةُ} الفاء رابطة للجواب ويوم ظرف أضيف إلى مثله والتنوين عوض عن جملة مكوّنة من جملتي {نفخ} و{حملت} والظرف متعلق بـ: {وقعت} و{وقعت الواقعة} فعل وفاعل.
{وانْشقّتِ السّماءُ فهِي يوْمئِذٍ واهِيةٌ} الواو عاطفة و{انشقت السماء} فعل وفاعل والفاء عاطفة وهي مبتدأ و{يومئذ} ظرف مضاف إلى مثله متعلق بـ: {واهية} والتنوين عوض عن جملة وقد تقدم ذلك و{واهية} خبر هي.
{والْملكُ على أرْجائِها ويحْمِلُ عرْش ربِّك فوْقهُمْ يوْمئِذٍ ثمانِيةٌ} {والملك} مبتدأ و{على أرجائها} خبر {ويحمل} فعل مضارع مرفوع و{عرش ربك} مفعول به و{فوقهم} ظرف متعلق بمحذوف حال من العرش أي حال كونه فوق الملائكة و{يومئذ} ظرف أضيف إلى مثله متعلق بـ: {يحمل} و{ثمانية} فاعل أي يحمله فوق رؤوسهم يوم القيامة ثمانية أملاك وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا اللّه عزّ وجلّ.
{يوْمئِذٍ تُعْرضُون لا تخْفى مِنْكُمْ خافِيةٌ} {يومئذ} ظرف أضيف إلى مثله متعلق بـ: {تعرضون} و{تعرضون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{لا} نافية و{تخفى} فعل مضارع مرفوع و{منكم} متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لـ: {خافية} و{خافية} فاعل والجملة حال من الواو في {تعرضون}.

.البلاغة:

1- في قوله {إنّا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} استعارة تمثيلية وهي من باب استعارة المعقول للمحسوس للاشتراك في أمر معقول وهي الاستعارة المركبة من الكثيف واللطيف، فالمستعار الطغي وهو الاستعلاء المنكر، والمستعار منه كل مستعل متكبر متجبر مضر، والمستعار له الماء، والطغي معقول والماء محسوس والمستعار منه محسوس.
2- في قوله {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} تكرر حذف الفاعل في هذه الآيات، ومن الظواهر الأسلوبية اللافتة في البيان المعجز ظاهرة الاستغناء عن الفاعل التي توزعت في دراساتنا وكتبنا بين أبواب شتى متباعدة لا تعطي سر هذا الاستغناء، فأنت تقرأ في الصرف كيفية بناء الفعل للمجهول وصيغ المطاوعة وفي النحو أحكام نائب الفاعل أما لما ذا حذف الفاعل فذلك موضوع آخر ندرسه في علم آخر هو علم المعاني التي انفصلت عن الإعراب فعاد هذا الإعراب صنعة وهو في الأصل من صميم المعنى كما ندرس في علم البيان إسناد الفعل إلى فاعله على سبيل المجاز دون أن نحاول جمع هذا الشتات المنتشر للظاهرة الأسلوبية لاجتلاء سرّها الذي من أجله تستغني العربية عن الفاعل فتسنده إلى غير فاعله بالبناء للمجهول أو بالمطاوعة أو بالإسناد المجازي، ومما يلفت النظر اطّراد هذه الظاهرة في البيان القرآني في موقف واحد هو موقف القيامة وفي الآيات المكيّة بنوع خاص كما سترى وغاية ما يقوله البلاغيون أنه قد يحذف الفاعل للخوف منه أو عليه وللعلم أو للجهل به وقد مضى المفسرون على تقدير فاعل محذوف لأحداث القيامة هو اللّه سبحانه أو ملك من ملائكته مع وضوح العمد في البيان القرآني إلى صرف النظر عن الفاعل والاستغناء عن ذكره وأكثر ما قالوه في تأويل ذلك أن الفاعل محذوف للعلم به فما سرّ ظاهرة الاستغناء عنه في أحداث القيامة.

.الفوائد:

يشترط في نيابة المصدر عن الفاعل أن يكون متصرفا مختصا بصفة أو غيرها نحو فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وغير المتصرف من المصادر ما لزم النصب على المصدرية نحو سبحان اللّه، وغير المختص المبهم نحو سير سير فيمتنع سبحان اللّه بالضم على أن يكون نائب فاعل فعله المقدر على أن الأصل يسبّح سبحان اللّه لعدم تصرفه ويمتنع سير سير لعدم الفائدة إذ المصدر المبهم مستفاد من الفعل فيتحد معنى المسند والمسند إليه ولابد من تغايرهما بخلاف ما إذا كان مختصّا فإن الفعل مطلق ومدلول المصدر مقيد فيتغايران فتحصل الفائدة وإذا امتنع سير سير مع إظهار المصدر فامتناع سير بالبناء للمفعول على إضمار ضمير المصدر أحقّ بالمنع لأن ضمير المصدر المؤكد أكثر إبهاما من ظاهره خلافا لمن أجازه كالكسائي وهشام فيما نقل ابن السيد أنهما أجازا جلس بالبناء للمفعول وفيه ضمير مجهول، قال ثعلب: أراد أن فيه ضمير المصدر وتبعهما أبو حيان في النكت الحسان فقال ومضمر المصدر يجري مجرى مظهره فيجوز أن تقول: قيم وقعد فتضمر المصدر كأنك قلت قيم القيام وقعد القعود انتهى، والصحيح المنع، وأما قول امرئ القيس:
وقالت متى يبخل عليك ويعتلل ** يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب

فالنائب عن الفاعل بيتعلل ضمير مصدر مختص بلام العهد أو بصفة محذوفة والمعنى ويعتلل الاعتلال المعهود أو اعتلال ثم خصّصه أخرى محذوفة للدليل الدّال عليها وهو عليك المذكورة قبل الفعل وحذفت كما تحذف الصفات المخصصة للموصوفات للدليل كقوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}، أي نافعا لأن أعمالهم توزن بدليل ومن خفّت موازينه الآية قاله في المغني وإضمار ضمير المصدر النوعي أجازه سيبويه لأن الفعل لا يدل عليه قاله ابن خروف في شرح كتاب سيبويه ويسؤك من الإساءة جواب الشرط الأول وتدرب بالدال المهملة من الدربة وهي العادة جواب الشرط الثاني والاعتلال الاعتذار يقال اعتلّ عليه بعلة اعتذر له عن قضاء غرضه بعذر وبذلك التوجيه يوجّه وحيل بينهم بالنصب فيكون المعنى وحيل هو أي الحول المعهود أو حول بينهم إلا أن الصفة هنا مذكورة وبذلك يوجه أيضا قول طرفة بن العبد:
فيا لك من ذي حاجة حيل دونها ** وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله

فيكون المعنى حيل هو أي الحول المعهود أو حول دونها وليس النائب الظرف فيهما لأنه غير متصرف عند جمهور البصريين، وعن الأخفش أنه أجاز في لقد تقطع بينكم ومنا دون ذلك أن يكون الظرف في موضع رفع مع فتحه ثم قال أبو علي وتلميذه ابن جنّي فتحة إعراب واستشكل وقال غيرهما فتحة بناء وهو المشهور.